الأربعاء، 18 أبريل 2012

مفهوم الدولة فى الاسلام

تعريف رائع لصديق مقال قديم احببت ان اعيد نشره كما كتب
وجب التنبيه
أرجو عدم النقل عن الموضوع حتى أقوم بعرضه على بعض أهل العلم
لأني لم أجد بداً من المرور على بعض الأحكام الفقهية التي ربما أخطأت في فهمها
أو صياغتها ، ولكن لأنني أكتب الموضوع منذ بداية الثورة أو ربما قبلها فقد
وضعته الآن حتى ألحق قبل ما تنتهي الدولة كلها على بعضها


الدولة في الإسلام – رؤية خاصة

1 من أين نبدأ
يحتدم الجدل منذ الثورة حول ما عرفه الإعلام بـ "الدولة الدينية" و "الدولة المدنية" وأصبح الحديث عنهما هو من قبيل الموضة الإعلامية والسياسية وكأنها معركة أم المعارك التي ستغير نتيجتها تاريخ العالم.فضلاً على أن الحديث والجدال بهذه الطريقة المبالغ فيها يكاد يفقد النقاش والحوار موضوعيته ، خاصة وأن الإعلام الذي عاش الخمس سنوات الأخيرة يقتات على المواضيع المثيرة وعلى قضايا الفساد التي تجذب المشاهد أو القاريء ومن ثم المعلن وأمواله ، فإن هذه الطريقة تنسينا ما هو أهم وأولى في هذه المرحلة الحساسة من تاريخنازأضف إلى ذلك أنني أجد منطلقات الجدل الدائر حول موضوع الدولة بسبب طريقة "الفرقعة" الإعلامية ، لا يخدم بأي حال ما نريده كأمة تعيد صناعة تاريخها في هذه المرحلة ، كأمة لها خصوصية تاريخية وعقائدية وجغرافيةفمنطلقات ذلك الجدل تنطلق من خلفيات لا تمت لنا بصلة ، فإنما هي تستحضر المثال الغربي والفهم الغربي لتلك المصطلحات محل الجدل ، فالمفهوم الذي يتم تناوله لتعريف مصطلح "الدولة الدينية" هو مفهوم غربي مسيحي كاثوليكي بامتياز ، وحتى عند استحضار أي صورة إسلامية لذلك المفهوم فإنما يتم استحضارها من أعين غربية رأت مسالب التاريخ الإسلامي وضخمتها وأرادت أن تزور التاريخ والجغرافيا لتكرس فكرة التفوق الغربي على الشرق الإسلامي ...ولا لست أنطلق أنا أيضاً في مقالتي من منطلق معادي للغربي ولا محابي له ، بل إنني أمتثل القيمة العليا التي تدور حولها مقالتي وهي العدل ....من أين نبدأ الحديث ، سؤال أخَّر كتابتي هذه لأن "ضوضاء" الجدل البيزنطي الذي دار جعلني لا أدري من أين أبدأ ، ولكني أرى البداية من حيث حدث اللبس سواء كان مقصوداً أو كان من قبيل التقليد الأعمى ..... فهي ليست الدولة الدينية ولكنها دولة الكهنوت!!!
2 دولة الكهنوت

حينما يتمثل الناس مصطلح "الدولة الدينية" واقعاً أمام أعينهم ، فهم يرون دولة يحكمها رجل يتحدث باسم الرب يرى الغيب ويحكم على ضمائر الناس بدون أن يفعلوا ما يؤيد ذلك الحكم ، يسلب الحياة ويهبها باسم الرب ، ويضع القوانين ويستصنعها باسم الرب .....فلا حرية ولا عدل ولا مساواة داخل تلك الدولة ، إنما حكم فرد أو مجموعة ما ، هم كهنة الرب وأحباءه وهم الذين يملكون الحقيقة دون غيرهم ....في مرة من المرات حاول أحد زملائي في الكلية أن يدخل في جدل حول ما إذا كانت الرياضيات هي علم في حد ذاتها أم لا ، حقيقةً لا أذكر كل ما دار ساعتها ، ولكني أذكر أنني جددت فهمي للرياضيات ذلك اليوم تجديد كلي وجذري ، فالرياضيات هي تلك الطريقة التي "نجرد" بها الأشياء من زخارفها وصورها لتتحول إلى حقيقة "رقمية" نستطيع أن نتعامل معها بأريحية دون تشويش من المظاهر الخادعة والصور البراقة ، فالسفر إلى القمر كان معادلة رقمية تقول لنا كيف نتحرر من الجاذبية الأرضية ، دون أن نفكر في كل الأساطير التي كانت سائدة عن حقيقة الأرض والكواكب ومكان وجود الرب ... كذلك حين أنظر إلى ذلك المفهوم – مفهوم الدولة الدينية – وأحاول أن أجرده من زخارف القول وتلاعب الألفاظ والأغراض ، فإني لا أرى إلا دولة كهنوتية ، ترفع قيمة "معينة" فوق قيمة العدل ، وتستأثر بملكية تلك القيمة "الأعلى" طائفة معينة يصبح أفرادها هم حماة تلك القيمة وكهنتها ، تلعب تلك الطائفة على عقول الناس وتوهمهم أن تلك القيمة "العليا" فيها خلاصهم وأنه بدونها سيضيعون وسيهلك مجتمعهم وبالتالي فعليهم الانصياع التام لها ومن ثمَّ لهم ، وهكذا ترتسم صورة الدولة المستبدة الكهنوتية!!!
وهنا أتساءل كم دولة كهنوتية رأينا ولكننا لم ندرك كنهها ولا حقيقتها لأننا وببساطة لم "نجردها" من زخارف الصورة التي رسمها الكهنة ...الدولة العلمانية التركية ، تلك التي تغنى بها أهلها وتغنى بها الشرق والغرب بوصفها مثال حضاري فريد وجميل على العلمانية وأنها تحقق قيم الحرية والعدل والمساواة ، ولكننا لو أخضعناها لعملية "التجريد" لرأينا الآتي ...لرأينا قيمة عليا تم رفعها فوق كل القيم وأصبح لتلك القيمة كهنة يحرسونها ، فحين ينص الدستور التركي على "قدسية" التعاليم الأتاتوركية وعدم المساس بها وأن الجيش هو حامي تلك التعاليم والمكلف بحراستها ، فيصبح "الأتاتوركيون" هم كهنة المعبد الأتاتوركي ، الذين يسلبون غيرهم حقوقهم ، فتمنع شعائر الدين الإسلامي ، ويضطهد الأكراد ، ولا يسمح للمرأة بارتداء ما تريد ... أليس ذلك هو الكهنوت بحذافيره وأليست تلك هي الدولة الكهنوتية ...وما أشبه علمانية الأتراك بعلمانية الفرنسيين ، فتلك هي صورة أخرى للكهنوت العلماني ، فسلب المسلمين حقوقهم حق تلو الآخر ليس من الحرية والمساواة في شيء ، ولكنه استخدام آخر لكهنوت العلمانية لتحقيق أغراض كهنة المعبدحينما قامت الشيوعية وجعلوا من ماركس والاشتراكية خطاً أحمر لا يُمس ، وعن طريقه سلبت الحريات والأموال بل والأرواح بدعوى تحقيق العدالة الاجتماعية ، ووضعت كلها في يد أعضاء الحزب الشيوعي ، أو قل كهنة المعبد الشيوعي ، ألم يكن ذلكم مثال صارخ للدولة الكهنوتيةفالأتراك والفرنسيون أقنعوا شعبيهما بأن العلمانية هي الخلاص والسبيل الوحيد لتقدمهم ، وكذلك فعل الشيوعيون حين خوفوا الناس من الإقطاع وأقنعوهم أن خلاصهم يكمن في الشيوعية ....إن الدولة الكهنوتية لا ترتبط بالدين بقدر ما هي ترتبط بتعطيل قيمة "العدل" من أجل قيمة أخرى ، وإعطاء فئة معينة دون غيرها حق تقرير مصير الآخرين دون ضابط ودون مساءلة

3 التصور الإسلامي

حين ينطلق النقاش حول مفهوم الدولة في الإسلام – وكما قلنا سابقا – فإنه ينطلق من أسس ونظريات تم استيرادها معلبة دون النظر في مصداقيتها أو حتى ملائمتها للمجتمع المسلمفي المقطع السابق ناقشنا المفاهيم "المغلوطة" إن جاز التعبير ، وربما حان الوقت أن نناقش نحن فهمنا للإسلام ورؤيته الخاصة للدولة ...يخطيء الإنسان حين يحاول أن يحلل جزء من الصورة دون رؤية وفهم الكل ، فإنه بالتأكيد سيحكم حكماً خاطئاً سواء على الجزء أو الكل! فبعض من يدخلون في مناظرات حول الإسلام وتعاليمه وأحكامه ، يتناظرون حول الحكم بمعزل عن الكل ، ويحاولون أن يثبتوا أو يدحضوا منطقية وصلاحية ذلك الحكمفمثلاً نجد أحدهم يناقش الميراث في الإسلام ثم يدعي أن الإسلام ظلم المرأة حين أعطاها في بعض أحكام الميراث نصف ما أعطى للرجل ، وهو هنا يناقش الحكم بمعزل عن المنظومة الإسلامية الكاملة التي ينتمي إليها ، فهو لم يناقش استحقاقات الزواج على الرجل والمرأة ، ولم يناقش أمور الإنفاق الزوجي سواء أثناء الزواج أو بعد حدوث الطلاق ، ولم يناقش الذمة المالية المستقلة للمرأة .... الخ ، وهكذا يفعل أولئك الذين يناقشون الدولة ذات المرجعية الإسلامية ، وهنا أعني أولئك من الطرفين المؤيدون والمعارضون!!فالإسلام إنما هو عقيدة كاملة توقر في وجدان حامليها تصور خاص لكل شئون الحياة ومنه يفهمون علاقاتهم مع الآخرين وعلاقتهم مع ربهم ، ويتحول ذلك التصور إلى منظومة من القيم تحكم تصرفاتهم وأعمالهم ، ثم تأتي الشريعة مكملة لذلك التصور حتى تقيد من جهل تلك المنظومة أو حاول أن يتعدى عليها ...التصور الإسلامي يبدأ من عقيدة التوحيد التي تؤمن بإله واحد مطلق القوى منزه عن كل نقص حتى تصل إلى أن إماطة الأذى عن الطريق صدقة ، وما بينهما يرسم نظرة شاملة للحياة ويجيب على أسئلة طالما حيرت أصحاب العقائد الأخرى فشتوا في تفكيرهم وشذوا في أعمالهمليس المقام مقام التفصيل في ذلك التصور ، ولكن سنكتفي بالتركيز على أمرين طالما كانا تشكل محور الجدال حول الدولة ؛ الكهنوت وتحكم رجال الدين ، ثم العلاقة مع الآخر ...

3.1 الكهنوت في الإسلام
لا كهنوت في الإسلام ، ببساطة ومباشرة!حين يقول المولى عز وجل لرسوله الخاتم سيد ولد آدم : "ليس لك من الأمر شيء" فعندما شُج النبي يوم أحد فقال كيف يفلح قوم شجوا نبيهم فنزلت "ليس لك من الأمر شيء"في الصحيح عن النبي أنه قال: لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته.هل الأمر يحتاج إلى أكثر من ذلك ، إذا كان ذلك هو حال المصطفى ، فما هو حال من هم دونه من العلماء والأتقياء ، إن الإسلام لا يعصم أحداً من الخطأ إلا المصطفى ، وما عصمته إلا بوحي الله له ، لا بذاته"ليس لك من الأمر شيء" يا رسول الله ، فمن سيكون له بعدك ، إنه لا أحد ، كلهم معرضون للمساءلة ، وكلهم مجتهدون قد يصيبون وقد يخطئونفي مذهب أهل السنة والجماعة ، لا مكان لكهنوت ، فلا ولاية لفقيه ، ولا سلم كنسي ، إنهم عباد الله يتقربون إليه بالتحصيل الشرعي واستنباط الأحكام لييسروا الحياة على المسلمين ، وبعد كل ذلك لم يعدهم ربهم بأكثر مما وعد باقي عباده ، إن اتقوه وأحسنوا العمل فلهم الجنة ، وإلا فمصيرهم كباقي العصاة!!

3.2 العلاقة مع الآخرربما يعني الآخر هنا حيث نتحدث عن الدولة الدينية المخالف في العقيدة والدين ، ولكن دعونا نتعداه إلى المعنى العام أي الآخر المختلف سواء في العقيدة الجنس اللون العرق ... الخفي التصور الإسلامي أن الدنيا هي دار اختبار للناس ليقيم الله عليهم الحجة ثم يحاسبهم هل آمنوا وأحسنوا العمل أم كفروا وأساءوا العمل ، هو وحده سبحانه الذي سيحاسبهم ، ولأنه إله عادل فقد جعل الدنيا وما فيها حق لكل الناس مؤمنهم وكافرهم وإلا فكيف سيقيم عليهم جميعاً الحجة ، فلم يمنع رزق عن كافر ولم يعطي للمؤمن أسباب أكثر من غيره ، بل كلهم متساوونولما أنزل الله كتابه الخاتم ووضح شرعته الخاتمة فإنه حرم على المؤمنين أن يظلموا سواء فيما بينهم أو بينهم وبين غيرهم.بل إن الإسلام يطرح ما هو أكثر من ذلك ، فهو قد قالها صريحة "لا إكراه في الدين" ، وإلا إذا كان الدين بالإكراه فكيف يقيم الله عليهم الحجة ، الإسلام يطرح نموذجاً ناضجاً للتعامل مع الآخر ، هو يطرح نموذجاً أرقى مما تطرحه الديمقراطية ، الديمقراطية تقول بأن الحكم للأغلبية وهو ما يعني وبكل وضوح اضطهاد "الآخر" – فالآخر في أي مجتمع تمثله الأقلية – وأن تصبح فرصة الآخر الوحيدة في الحصول على حقوقه هو الانفصال في كيان مستقل ، وهو ما ليس ممكناً في أغلب الأحيان ، فينقلب الأمر إلى حروب أهلية واقتتال داخل الأمة الواحدة ...وحين تدعو الديمقراطية إلى المساواة فإنها في الحقيقة تظلم الآخر ، فقوانين "المساواة" ستضعها الأغلبية بدون اعتبار لغير مصلحتها ، فما الذي يرغمها على غير ذلك؟!!الإسلام أقر بالآخر حينما أقر بالاختلاف واعترف به ، أقر به في غير امتهان بل إنه تعدى في اعترافه بالآخر ، مفهوم "الآخر" العقائدي ، فهو قد اعترف بعرف كل مجموعة بشرية وأقرها عليه ما لم يتعارض ذلك مع الشرع ، فالفقيه يأخذه في اعتباره حين يصدر فتواهالإسلام أعلى قيمة العدل ووضعها أساساً للحكم ، وأصبح الناس أمام القاضي سواسية وأمام القوانين سواسية ، فالله سبحانه هو القائل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )ومن أهم الأمثلة على احترام الآخر ما هو قائم بالفعل في مصر فيما يخص قانون الأحوال الشخصية ، فهو ينص على احتكام كل طائفة دينية إلى شريعتها ، فإذا كانا الزوجان من طائفتين مختلفتين فإنهما يحتكمان إلى الشريعة الإسلامية

4 خاتمة
ما أردت قوله خلال السطور أعلاه ، أن جل المناقشات التي تدور حول رؤية الإسلام للدولة ، هي مناقشات تنظر إلى الإسلام من منظور ضيق لا يرى اتساع التصور الإسلامي وشموله لكل جوانب الحياة في غير إخلال بإطلاق الإبداع وإعطاء الحريات الكاملة والمتوازنة ...أردت أن أقول أنه يجب أن ينظر إلى حقيقة أن الإسلام جاء ليعد بيئة صالحة لكي يعبد الإنسان الله في حرية ، وأن يعمر الأرض كما أمره الله ، والدولة واقع الأمر إنما هي واحدة من تلك الأدوات التي أرادها الإسلام أن توفر تلك البيئة وتحميهاومن ثمّ فإن النظر إلى تلك الغايات وسموها يجعلنا نعي جيداً أن الشكل الذي يطلبه الإسلام لتحقيق تلك الغايات إنما هو شكل حضاري راقي يسبق في غاياته كل النظم القائمة والنظريات الموجودة ، فهو يخرج بذلك التصور من النظرة الضيقة لمصالح فئة أو مجموعة بشرية إلى نظرة شاملة للإنسانية جمعاء ودور المسلمين في الرقي بهافهو لن يسمح للمسلمين داخل تلك الدولة أن يعتدوا على غيرهم حتى وإن استطاعوا ولم يصيبهم شر من ذلك ، ولن يسمح لهم أن ينقضوا عهودهم حتى ولو كانت مع عدوهم وسنحت لهم الفرصة وأوتوا القوة ليفعلوا ذلك ، وهو لن يرضى أن يمنعوا العلوم والنفع عن غيرهم من الدول والبشر لأنهم مأمرون بأن يعمروا الأرضولا ليس كلامي ذلك كلاماً مرسلاً لأنه له في التاريخ عشرات ومئات الأمثلة عليه ...كلمة أخيرة ، دولة الإسلام والاحتكام إلى شريعة الله ليس من قبيل المنة التي يمنها إنسان ما أو شعب ما على الله سبحانه وتعالى ، بل يجب أن يُعلم جيداً أن دولة الإسلام وتحكيم الشريعة هي نعمة من الله يمن الله بها على من رضي عنه من عباده فهي رحمة واسعة لن يفهمها إلا من فهم هذا الدين ووعاه بقلبه ...
أحمد معاطي
amaaty@gmail.com
الرياض في 19 جمادى الأولى 1432 هـ الموافق 23 إبريل 2011 م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تعليقات فيس بوك